top of page
Search

الخذلان

هل نسامح من كسرونا؟


يدخل بعض الناس حياتنا في لحظة نكون فيها في أوج توهجنا؛ قلوبنا خفيفة كالفراشات، وأرواحنا مشرقة كفجرٍ جديد، نضحك ببراءة ونمشي بخطى واثقة على أرض من نور. نستقبلهم كما تُستقبل الهدايا النادرة، ونفتح لهم أبوابنا بلا قيد، نظن أنهم امتداد لفرحنا، فإذا بهم يتحولون إلى بداية خرابنا.


بهدوء ماكر، وبملامح مطمئنة، تمكنوا من الوصول إلى أعمق أماكننا. لم يتركوا فينا زاوية إلا وعبثوا بها. أخذوا منّا ثقتنا في أنفسنا، سرقوا ابتساماتنا، وحولوا وجوهنا إلى وجوه شاحبة، كأن الحياة انسحبت منها بلا رجعة. كانوا كالسوس ينخر في الخشب، لا يظهر أثره في البداية، لكن حين يكتمل فعله، ينهار كل شيء دفعة واحدة.


لم يكسرونا فقط، بل أطفأوا النور الذي كان يسكن أعيننا، وحوّلوا قلوبنا إلى مقابر للحيرة والقهر والخوف. علّمونا أن معرفة الناس تختصر في كلمة واحدة: الخذلان. لقد تركونا نعيش بعينين مفتوحتين، لكننا، رغم ذلك، أصبحنا نرى السواد حتى وأعيننا مفتوحة، وكأننا فقدنا القدرة على رؤية الألوان.


ويأتي السؤال الذي يطاردنا: هل نسامحهم؟ هل نعفو عن الذين جاؤوا ليحطموا كل ما هو جميل فينا؟ المسامحة ليست دائمًا شجاعة، وأحيانًا تكون ظلمًا جديدًا للذات. لأن من جعل قلوبنا خرابًا، لا يستحق أن نمنحه طهر الغفران.


ورغم كل ما فعلوه، ورغم الجراح التي ما زالت تنزف، نقف اليوم ولسنا كما أرادونا. قد نكون مكسورين، لكننا ما زلنا واقفين. قد نرى السواد، لكننا في أعماقنا نؤمن أن النور سيعود يومًا ما. قوتنا ليست في نسيان ما فعلوا، بل في النجاة من بعدهم.


ومع ذلك، يبقى دعاؤنا الأخير، دعاء الموجوعين الذين ظلموا ولم يجدوا سوى السماء منصفًا لهم:

"لا سامحهم الله، ولا أراهم خيرا، وسقاهم من كأس الخذلان أضعاف ماسقونا يا رب"


ree

 
 
 

1 Comment

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
Hoseen Faour
Hoseen Faour
4 days ago
Rated 5 out of 5 stars.

قد نسقط، قد نُجرح ، لكن قوتنا الحقيقية في أن ننهض رغماً عمن حاولوا تحطيمنا.

Edited
Like
Post: Blog2_Post

Dubai

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
bottom of page