top of page
Search

ورود والزمن ٣

Updated: Nov 17, 2023

الفصل الثالث: شقة القبو ١


بعد خمس ساعات أخرى من العمل المتواصل تأتي الساعة السادسة ليحين وقت العودة الى البيت. تودع ورود زميلاتها وتتجه إلى محطة الباص المكتظة سلفا بمختلف الموظفين الذين أنهو ساعات عملهم الشاقة وكل منهم يحلم بلحظة وصلوله الى البيت ليحتضن زوجته و أولاده أو أليفا اشتاق اليه أو حتى تلفازا يِؤنسه في وحشته. تستقل الباص و كتابها في يدها لتلتهم المزيد من الصفحات. بعد نصف ساعة بالضبط يصل الباص الى محطة لتنزل ورود مسرعة كأنها تسابق الزمن وهناك حدث ما ينتظرها في شقة القبو التي تجمعها بسبعة فتيات غيرها. دقت الباب دقتين على عجل ودخلت لتجد الأختين المقيمتين في غرفة المعيشة تجهزان لعملهما الليلي كنادلتين في أحد بارات مدينة الأضواء بعد أن تخليتا عن حلمهما في الظهور على أغلفة المجلات كعارضتين للأزياء، حيتهما بنظرة وابتسامة ،ثم دلفت إلى غرفتها وأوصدت الباب، بقيت واقفة وراءه لوهلة بعينين مغمضتين كأنها في مكان ما بين السحب بعيد جدا عن الأرض وفور فتحها لعينيها سقطت دمعتان حارقتان على وجنتيها، تلك اللحظات أخذتها إلى يوم خطوبتها الذي كان في مثل هذا اليوم من ست سنوات.


كانت ورود تسارع الزمن كي تصل إلى غرفتها لا شيء بل فقط كي تختلي بذكرياتها. دخلت لتستحم والدموع مازالت تنهمر من عينيها الجميلتين، كان جسدها يقوم بالأفعال تلقائيا بين استحمام وتغيير ملابس ثم أكل لقمة سريعة بينما كانت روحها في مكان آخر تماما. عندما تقدم مصطفى إلى خطبة ورود منذ ست سنوات رفضته رفضا شديدا فهي كانت في أول سنوات جامعتها وكانت تحلم بمستقبل زاهر. لم يستسلم الوالد لرفض ابنته للعريس الأربعيني المقيم بفرنسا بل أصر على استقباله رفقة والدته ولم يكن بيد إبنته غير الموافقة على هذه الزيارة وكلها سخط على أبيها وعلى هذه الزيجة التي لم تكن تظن أنها ستوافق عليها.


جاء يوم الخطبة وقدمت الأم لابنتها الشابة البالغة من العمر ثمانية عشر عاما فستانا أصفر اللون مطرز بخيوط ذهبية كانت قد اقتنته لها يوم نجاحها في شهادة البكالوريا كهدية وطلبت منها أن تستعجل في تسريح شعرها ووضع القليل من المكياج الذي قد يخفي القليل من براءتها الطفولية كي تبدو إمرة كاملة الأنوثة أمام عريسها ووالدته، وبينما كانت ورود تتجمل وهي في حيرة من أمرها تخيلت رجلا بدينا بشنب ثم سرعان ما مسح خيالها الشنب وتخيل رجلا أصلعا يعاني من مشاكل في أسنانه ثم ما لبثت حتى قالت لنفسها: "هو مقيم في فرنسا منذ وقت طويل وأكيد أنه يعتني بنفسه، قد يكون أصلعا وبدينا لكن أكيد أسنانه بصحة جيدة".


جاء الضيوف أو الخطابة كما نسميهم في بعض مناطق الجزائر وبدأ قلب ورود يدق بسرعة ولم تكن تعلم كيف عساها أن تفر من هذا الموقف وهي بغض النظر عن كونها رافضة لهذا العريس هي أيضا تعاني من بعض الرهاب الاجتماعي ومجرد فكرة لقائها بهاذين الشخصين الغريبين تماما وهما مصطفى ووالدته لالة فاطمة جعلها تتعرق بشدة.


نادتها والدتها على غفلة منها وهرعت فور سماع اسمها إلى غرفة المعيشة لتسلم على عريسها ووالدته التي أجلستها بجانبها وبدأت بالكلام عن إبنها المهندس المعماري البالغ من العمر ثلاثة وأربعون سن أي أنه يكبرها بخمسة وعشرون سنه ولكن عندنا نظرت عروسنا إليه لم تفكر في شيء غير طوله وشعره وأناقته الملفتة، كان ودودا جدا في كلامه مع والديها ولطيفا في كل حركة يقوم بها. بدا مهذبا، وسيما، أنيقًا، راقيا بل وكأنه خرج من إحدى المسلسلات التركية التي كانت الفتيات مهووسة بها أنداك.


سأل العريس عروسه مجموعة من الأسئلة كانت كلها تدور حول دراستها وصديقاتها وكيفية إمضاء وقت فراغها وكانت وهي تجيبه تشعر أنها تعرفه منذ زمن ولم تعد تشعر بأي من أعراض الرهاب بل تمنت لو أن بقاءه يطول حتى تخبره بالمزيد فهو الشخص الوحيد الذي أبدى اهتماما حقيقيا بحياتها واهتماماتها وما إن جاء وقت مغادرة الضيوف حتى كانت ورود تدور في فلك مصطفى وكل ما يتعلق به.


لاحظت الأم تغيرا واضح في سلوك البنت التي كانت رافضة تماما لفكرة الزواج إلا أنها ودعت الضيوف بابتسامة عريضة وعينان تشعان سعادة وإعجاب فتقدمت الام من ورود وسألتها مباشرة " ما رأيك يا ابنتي هل توافقين أو تحتاجين وقتا أطول للتفكير"، تلعثمت ورود ر احمرت وجنتاها خجلا وقالت: "موافقة فقط لأنه وعدني بإكمال تعليمي في فرنسا وهذا حلم بالنسبة لي". فرح الأبوان بهذه الموافقة التي لم يتوقعانها أبدًا وذهب الكل في تلك الليلة إلى فراشه سعيدا حالما بغد أفضل لهذه الأسرة التي عانت الكثير.


يتبع...




224 views4 comments

Recent Posts

See All

4 Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
Salma_ammari
Jun 04, 2023
Rated 5 out of 5 stars.

لم أتوقع أبدا أن يعجبها العريس

Like

Zeineb_Mohamed
Jun 03, 2023
Rated 5 out of 5 stars.

نريد باقي القصة

Like

Dihia-Merzouk
Jun 03, 2023
Rated 5 out of 5 stars.

متشوقين لمعرفة

Like

Amel_Baghdadi
Jun 03, 2023
Rated 4 out of 5 stars.

نريد الفصل القادم بسرعة

Like
Post: Blog2_Post
bottom of page