الفصل السادس :الاحتراق
بعد وصول الزوجان إلى مدينة الحب وعاصمة الموضة وجدا عمار وهو صديق مقرب من مصطفى في انتظارهما, سلم الأخير بحرارة على صديقه بينما استلم عمار الحقائب من يده وتوجه الكل خارج المطار وبينما أمضى الصديقان وقت الرحلة التي دامت ساعة تقريبا يتجاذبان أطراف الحديث ،كانت ورود تتفحص تفاصيل المدينة من حولها ولم تبدي أي اهتمام بما كان يدور داخل السيارة من حديث لكنه لفت انتباهها أن اسم زينب قد تكرر لأكثر من مرة وهنا ظنت أنها قد تكون زوجة عمار. وصل الزوجان إلى شقتهما في إحدى الضواحي الباريسية و هنا قررت ورود أن تستسلم إلى النوم بعد الاستحمام والصلاة. خلدت الزوجة إلى النوم بينما أمضى مصطفى ليله يشاهد التلفاز ،لتجده ورود في الصباح نائما على الأريكة محاطا ببقايا السجائر وكؤوس الخمر وهنا كانت صدمتها الأولى فهي لم تتوقع ذلك منه إلا أنها قررت أن تحتفظ بصدمتها لنفسها ونظفت الغرفة في هدوء، وبعدها أرادت أن تشرب القهوة إلا أنها لم ترد أن تصدر أي ضجة أثناء نوم زوجها.
انتظرت ورود ساعات طويلة قبل أن يقرر مصطفى أخيرا أن يستيقظ ويبدأ يومه وهنا سارعت لإعداد الفطور في مطبخ الاستديو الذي كانا يسكنانه, نعم مجرد استوديو لا يشبه في شيء شقة الأحلام التي رسمتها في خيالها, بعد تناول وجبة الفطور مباشرة لبست ثيابها وقالت لمصطفى: "أنا جاهزة, هيا بنا, أريد أن أرى برج ايفل". نظر إليها وكان الاستياء باديًا على وجهه ثم قال:"اليوم؟ لما العجلة؟ أنا متعب قليلا لنذهب غدا "فور الانتهاء من رده أشعل سيجارة واشاح بنظره عنها وفي هذه اللحظة اجتاحها حزن كبير, أرادت أن تصرخ ألما لأنه أشعرها أنها لا تساوي شيئا عنده وهذا في أول يوم لهما معا, لم ترد أن يرى دموعها ولا أن يشعر بكسرة خاطرها فدلفت إلى الحمام بسرعة وهي تغطي وجهها بيدها،ومن هنا بدأت معاناتها مع زوج لا يعيرها أي اهتمام, عاشت أول أيامها معه خائبة الأمل, خائرة النفس إلا أنها لم تتذمر قط ولم تقل شيئا فربما هذا هو الزواج وهكذا تكون العلاقات. مرت الأيام وهما على هذا الحال إلى أن قرر أخيرا أن يأخدها لترى جمال باريس وأن تتمشى في شوارعها الملهمة وكان هذا اليوم من أسعد الأيام التي عاشتها منذ وقت طويل. توالت الأيام الجميلة من خروج ومقابلة أصدقاء بينما لم تتغير الليالي, ورود تصلي العشاء وتنام باكرا بينما يمضي مصطفى معضم ليله في الشرب والتدخين ومشاهدة التلفاز وما يتبقى من مسائه نائما على الأريكة وبعد أن تكرر الأمر لأكثر من أسبوعين أدركت ورود أن زواجها ليس بخير وان هناك علة ما في هذه العلاقة وقررت أخيرا أن تفاتح زوجها في الموضوع وهنا جاءها الرد صادما، من الرجل الأنيق اللبق,المتعلم, ابن الأصول أو هذا على الأقل ما كانت تظنه. نظر مصطفى في عينيها لأول مرة منذ وصلولهم إلى باريس وقال :" الأمر بسيط جدا، أمي أرادت أن تزوجني وأنت أهلك أرادو حياة أفضل لابنتهم"...ردت ورود والدموع في عينها :"ماذا عنك أنت، مالذي تريدة مني ولماذا تزوجتني وأنت لا تريدني"، فكر قليلا ثم قال: "لا شيء، لا أريد منك شيئا على الإطلاق، أنت تعيشين مع ما تبقى من مصطفى الذي رحل مع زينب، رحمها الله، كانت أول وآخر من أحببت"...صمت لثواني ثم استرسل في وصفها:" هل تعلمين يا ورود أنه عندما يجتمع الجمال والذكاء في امراة ما تكون مصيبة الرجل؟، وزينب كانت مصيبتي وطبيبتي، أحببتها كثيرا لكن المرض أخذها مني سريعا، رحلت تاركة إياي في حيرة شديدة وحزن عميق، خسرت حبيبة قلبي وشريكة أفكاري، كانت دنياي وسعادتي وبرحيلها ذهب كل شيء وصرت الشخص الذي ترينه اليوم، ساخط على كل ما يحيط بي، أمضي أيامي بين النوم والسكر..." وهنا قاطعته ورود قائلة:" بما أنك تعيش في الماضي ولا تصلح لبناء علاقة جديدة، لماذا تحطم أحلامي "، وهنا غلبها البكاء وتوقفت عن الكلام، كانت تشعر بألم شديد يعتصر روحها، شعرت وكأنها تسقط من ارتفاع شاهق دون ان تصطدم بالقاع بعد.
بعد أن علمت ورود بأنها لا تعني شيئا لزوجها وأن قيمتها عنده أقل بكثير من قيمة الأريكة التي يمضي معضم وقته عليها، طلبت الطلاق وقررت أن ترجع إلى بلدها إلا أن مصطفى رفض وطلب منها أن ترضى بواقعها المرير وهذا جعلها تطلب منه أن يساعدها في تسجيلات الجامعة كما وعدها وقوبل طلبها هذا بالرفض لأنه تبين أن المهندس مصطفى ترك عمله ويعيش على منحة البطالة، هنا عرفت ورود أنها انتقلت إلى الجحيم مستقلة الطائرة.
إنه عام ٢٠١٦، كانت ورود تحدث أهلها من حين لآخر عندما يكون مصطفى في ميزاج جيد، لكنها رفضت أن تخبرهم بواقعها حتى لا تصدر لهم كميه الألم والخيبة اللذان تعيشهما. رغم أنها كانت تخرج وتقابل أصدقاء زوجها في المناسبات إلا أنها كانت تشعر طوال الوقت بأنها حبيسة سجن الرجل الذي تزوجها كي يرضي والدته بينما أخلف معها بكل وعوده وحرمها من أبسط حقوقها...
يتبع...
Comments